الأحد، 25 ديسمبر 2011

أسرار وحكايات من حياة الرئيس المخلوع مبارك

                                                                  الحلقة الرابعة 

 

في زيارة قام بها حسني مبارك إلي نيويورك في شهر سبتمبر 1985 لإلقاء خطاب في دورة الأمم المتحدة وقد تصادف في هذه الزيارة أن تعرضت أمريكا «يوم 27 سبتمبر» لإعصار جلوريا وقد ظلت نشرات الأخبار تحذر من وصول الإعصار إلي نيويورك ظهر ذلك اليوم فطلب من الصحفيين المرافقين التزام الفندق ولكن اليوم مر دون أي دلائل للإعصار وسط مدينة نيويورك وفي اليوم التالي فوجئ الدكتور مصطفي الفقي سكرتير مكتب الرئيس للمعلومات في ذلك الوقت بحفاوة غير عادية من مراسم الرئيس وتخصيص سيارة الرئيس الفاخرة ليستقلها الفقي ولم يعرف الفقي سر هذه الحفاوة إلا متأخراً عندما اكتشف أنه كان هناك بلاغ عن محاولة الاعتداء علي الرئيس في سيارته فكان أن قام أمن الرئيس بجعل الرئيس يستقل سيارة عادية وجعل مصطفي الفقي يستقل سيارته الفاخرة وقال الفقي يومها «أصل أنا المدني الوحيد في قصر الرئاسة مع أسامة الباز اللي مش قادرين عليه فاختاروني أنا»!.
وقد أصبح من إجراءات التأمين المتخذة إخلاء كل الطرق التي يمر بها ركب الرئيس من أي بشر قبل ساعتين علي الأقل من موعد مرور الموكب دون مراعاة لمتطلبات الحياة التي تتطلب إنقاذ مريض أو سفر مواطن أو زائر يريد اللحاق بطائرته أمام طريق مسدود ووقف مئات الجنود من الأمن المركزي علي الجانبين وكل منهم يبعد خمسة أمتار عن زميله مع تبادل الاتجاه فجندي ينظر ناحية الموكب والذي إلي جانبه ينظر الناحية المضادة وهكذا.وكان من بين الإجراءات الروتينية تسجيل الاسم الرباعي لجميع سكان العمارات في اق التي يمر بها ركب الرئيس وينبه عليهم بعدم الخروج إلي الشرفات أو فتح النافذة لمجرد رؤية الموكب المار ونتيجة لذلك كان هناك سجل كامل لدي أجهزة الأمن بآلاف السكان وعلي رأسهم سكان شارعي العروبة ورمسيس في الوقت الذي كان يسبق حضور الرئيس أي اجتماع تسجيل مسبق بأسماء الذين سيسمح بحضورهم وتصويرهم وطبع بطاقات خاصة لكل منهم أيا كان عددهم يحملونها خلال زيارة الرئيس وبدون هذه البطاقة لا يتم السماح بدخولهم وبعد أن كان الرئيس يحيط به الشعب في تحركاته أصبح لا يري مواطناً واحداً في طريقه في الذهاب أو الإياب باستثناء جنود الشرطة الذين كانوا يقفون الساعات الطويلة في كل مرة يمر فيها في عز الحر أو البرد.
ولم يكن حسني مبارك بالطبع غافلاً عن الإجراءات المشددة التي تتم لتأمين تحركاته بل إنه علي العكس كان يهتم كثيراً بإجراءات أمنه، كما لم يفعل أي رئيس سابق إلي درجة جعلته يشرف بنفسه علي حراسه الشخصيين وتلقيهم الأوامر منه مباشرة وفي مرات كثيرة كان يطلب منهم سلاحهم الشخصي ليجربه بنفسه وليتأكد من أنه «تمام».
وقد حدث أثناء زيارة قام بها إلي ليبيا لحضور افتتاح مشروع النهر العظيم أن رافقه علي الطائرة وفد صحفي ضم رؤساء التحرير وبنفسه أبلغنا أن نكون مستعدين لترك مكان الاحتفال فور الانتهاء من كلمته «والجري علي المطار» لأنه سيتحرك مباشرة وبالطبع فقد كان موكبه الأسرع في الوصول وقد جلس ينتظر في مطار طرابلس في غرفة كان يري منها المار أمامه دون أن يراه أحد وكان أول من مر الأستاذ إبراهيم نافع رئيس الأهرام وكان يجر بإحدي يديه حقيبة فيها ملابسه إذ استدعت الزيارة أن تمتد يومين وما إن صعدنا الطائرة حتي جاءنا زكريا عزمي يبلغنا بتعليمات الرئيس بعدم اصطحاب أي حقيبة معنا علي الطائرة وأن كل الحقائب ستذهب في طائرة «العفش» وهي طائرة نقل خاصة تسبق رحلة الرئيس وتعود بعده وتم بناء علي هذه التعليمات سحب جميع الحقائب المصاحبة لجميع أفراد الوفد وجاء مكاني في الطائرة إلي جانب الدكتور محمد عطية إخصائي القلب وطبيب الرئيس المرافق في الرحلات لأمر طارئ وقد حكي لي وهو يبتسم أن الأمن أخذ منه حقيبته التي بها السماعة وجهاز الضغط وبعض الأجهزة لحالات الطوارئ وقد حاول عبثاً إفهامهم بأنه دون هذه الحقيبة لا قيمة له ولكنهم رفضوا أن يصطحب الحقيبة معه فالحقائب ممنوعة بأمر الرئيس الذي لم يستثن حقيبة طبيبه وقد استمرت تعليمات مبارك الخاصة بالحقائب سارية منذ ذلك الوقت حتي علي الوزراء مع استثناء حقيبة صغيرة للأوراق للوزراء المرافقين وبعد تفتيشها.ومن الحكايات التي تروي عنه أنه كان يقف يوماً خلف زجاج مكتبه بقصر الاتحادية وشاهد عمارة شاهقة البناء فنادي أبوالوفا رشوان سكرتيره وسأله «بتاعة مين العمارة دي؟» دا ممكن يضربني بمدفع «آر. بي. جي» وهو في سريره وأنا في المكتب وخلال ساعتين كان أمام مبارك بيان بكل سكان العمارة وجميعهم من ضباط الجيش فقرر مبارك إغلاق الأدوار التي تلعو الطابق السادس.
وبنفس التفكير لم يتورع مبارك عن أن يأمر بهدم الجراج الذي أنفق الملايين علي بنائه في ميدان رمسيس عندما نقلوا إليه إمكان استخدام هذا الجراج الذي يطل علي كوبري أكتوبر وصعود قناص إلي أحد طوابقه والتربص بموكبه عند المرور علي الكوبري علي طريقة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي الذي اغتاله عام 1962 قناص من نافذة مكتبه تطل علي موكب الرئيس ولم يمكن تأجيل قرار الهدم أو تأجيل استخدام الجراج أو حتي التفكير في استخدامه استخدامات أخري فمن أجل الأمن لا مناقشة واضطر محافظ القاهرة لأن ينفذ هدم الجراج علي الفور دون أن يفتح فمه بكلمة يشرح فيها السبب!.
ويشرح أحد العاملين في الرئاسة في تقرير نشر علي الإنترنت أن أمن مبارك تم إعداده وفق منظومات جري تنسيقها تبعا لأحدث الطرق الأمريكية وتحديثه علي الدوام فحين يتحرك الرئيس بسيارته تحيطه أربع سيارات حراسة خاصة واحدة أمامية والثانية خلفية وأخري علي اليمين والرابعة علي اليسار وفي داخل كل سيارة ضابط حراسة واثنان من المساعدين مجهزون برشاشات فضلاً عن سيارة تشويش أمامية تتقدم الموكب وأخري في نهاية الموكب وهما السيارتان اللتان تعطلان أي إشارات فتقطع إرسال التليفزيونات والمحمول في الشوارع التي تمر بها وخلف سيارة حرس الرئيس الخلفية تسير 6 سيارات في داخل كل منها ضابط و2 مساعدين معهم 6 رشاشات ونتيجة لذلك كان عذاب الذين يسكنون في شارع العروبة بسبب كثرة مرور مبارك سواء في خروجه من بيته إلي مكتبه أو العكس وغير ذلك من الزيارات ففي خلال كل ذلك كان يتوقف إرسال التليفونات والتليفزيونات في هذه البيوت.
أما حين يتحرك الرئيس علي قدميه فيكون هناك حارس خلفه وحارس عن يمينه وآخر في اليسار إضافة إلي حارس متأخر خلف الأول غير بقية الحراسة غير المنظورة وطبقاً لقواعد حراسة الرئيس التي تم تثبيتها بعد نجاته من محاولة الاغتيال في أديس أبابا فإن ثلاثين في المائة من الموجودين في أي مؤتمر أو اجتماع جماهيري له من الحرس الجمهوري في الزي المدني وفي خلال المؤتمرات التي يحضرها كانت عين مبارك دائماً علي حراسه ومتابعة مدي التزامهم بقواعد تأمينه، وكان من الإجراءات التي اتبعت بعد حادث أديس أبابا منع وضع أي لمبات إضاءة في مقدمة الصف الذي يجلس به الرئيس خلال أي مؤتمر أو احتفال حتي يتمكن مبارك من متابعة أي شخص يتحرك أمامه حيث كانت الإضاءة الشديدة علي سيارته في أديس أبابا سبباً في عدم رؤيته السيارة المقبلة في المواجهة أثناء محاولة اغتياله، لذلك طلب وقتها من سائقه أن يرجع للخلف لأنه لم يتمكن من رؤية من كان في سيارة المهاجمين.
المهم أمنه أولاً
ولم يكن مبارك في إجراءات أمنه يهتم بما تسببه هذه الإجراءات في شوارع مصر من شلل المرور ساعات طويلة وغضب الملايين ودعائهم علي مبارك، فيشهد الله أنني قلت له مرة إن هناك من يتضرر من إغلاق الشوارع فترة طويلة قبل مرور موكبه وكنت أتوقع أن يبدي الرئيس تعاطفاً مع المواطنين ولكنني فوجئت بقوله أصلها بتحصل مرة واحدة وبعدين تسألوا إزاي ده حصل وتلوموا الأمن وكان ذلك كافياً لأن أعرف أنه كان يعلم بما يحدث في الشارع خلال موكبه.
وقد أصبحت عادة إصابة القاهرة بشلل مروري وانتظار آلاف السيارات واقفة عدة ساعات يوم يفتتح مبارك دورة البرلمان أو يقوم بزيارة لأي مكان لدرجة كره معها الملايين هذه الزيارات وتمادت أجهزة الأمن بعد ذلك فأخذت تطبق إجراءات احتجاز المرور بالساعات خلال تحركات السيدة قرينته وبعد ذلك امتدت الإجراءات إلي وزير الداخلية وغيره!.
كذلك اكتشفت أنه كان يتنصت علي التليفونات دون معرفة المتحدث.. حدث أن طلبني الدكتور مصطفي الفقي سكرتير الرئيس لشئون المعلومات «في الفترة من 1985 إلي 1992» ليبلغني عن ملاحظة للرئيس علي مقال قرأه في مجلة أكتوبر التي كنت أرأس تحريرها ومصطفي الفقي صديق وأعرفه منذ وقت طويل ومن الطبيعي أن يكون حديثي معه غير رسمي ولكنني لاحظت أنه يتحدث بطريقة رسمية ثم فجأة وجدته يقول سيادة الريس معاك وعلي الفور جاءني صوت الرئيس الذي كان واضحاً أنه كان يتنصت علي المكالمة من خلال ميكروفون التليفون في مكتبه ليسمع ما يدور من حوار في غيبته!.
كانت رياضة الإسكواش نوعاً من الإدمان يمارسه مبارك يومياً حتي في أيام الجمعة لحرصه علي صحته ولهذا قيل إنه سيعمر طويلاً خاصة أن أباه كما يؤكدون مات بعد التسعين في حادث وهناك نكتة قيلت عنه تقول إن مبارك تلقي من صديق هدية عبارة عن «سلحفاة» قال الصديق إنها من نوع خاص يعيش أكثر من 300 عاماً، وقال مبارك للصديق يا راجل ماتقولش كده قال الصديق والله ياريس زي ما باقول لك قال مبارك بحسم تعرف لو طلعت كداب وماتت قبل كده حاموتك انت!.
كان البرنامج اليومي لمبارك عندما يكون في القاهرة يتضمن الذهاب إلي المركز الرياضي في قيادة القوات الجوية في الساعة الثانية بعد انتهاء مقابلاته التي يبدؤها من التاسعة وأحياناً قبل ذلك وقد أقام مبارك هذا المركز منذ كان قائداً للقوات الجوية وأمده بملاعب الإسكواش والساونا والبخار وبعد أن أصبح رئيساً نشر إنشاء ملاعب الإسكواش في مختلف الأماكن التي ينتقل إليها في الإسماعيلية والقناطر وبرج العرب وقد ظل مبارك يمارس هذه الرياضة العنيفة إلي ما بعد تقريباً سن الخامسة والسبعين.
وكان يسبقه إلي الملعب اللاعبون الذين رتب أن يلعب معهم وكانوا في الغالب مجموعة قديمة تضم ستة أفراد وعندما كان يحدث أن يلتقي بشخص ويتحدث أمامه عن أن يمارس لعبة الإسكواش كان مبارك يأمره بأن يسبقه إلي الملعب ليؤدبه في الملعب وبعد أن أصبح رئيساً أصبح هناك عدد من «الزوار المشجعين» الذين يتنافسون في الحضور للتقرب من الرئيس والإعجاب بضرباته القوية وكان مبارك يكره من يتحدث إليه من الحاضرين في فترة الملعب ويطلب منه شيئاً ففي اليوم التالي يجد اسمه مشطوباً من كشف المسموح لهم بالدخول.
ويلعب مبارك نحو ساعتين مع ثلاثة أو أربعة لاعبين ثم يأخذ حمامه وكانت العادة أن يتحمل من يخسر ثمن البرتقال الذي يتناوله مبارك واللاعبون بعد المباريات وبالطبع كان من النادر أن يدفع مبارك وحتي لو خسر يوماً وأصبح عليه أن يدفع ثمن البرتقال كان أحد أفراد الحراسة يتولي السداد عنه دون أن يطالبه بعد ذلك بما دفعه.
ويحكي الدكتور مصطفي الفقي أنه في يوم من الأيام كان في المركز الرياضي مع الرئيس عندما حكي للرئيس عن ظهور نوع جديد من الحقن التي إذا تعاطاها الإنسان تقويه وتجدد شبابه وقال مبارك لمصطفي وهو يرفع في وجهه مضرب الإسكواش: أهو الواحد ياخد الحقن اللي بتقول عليها وبدل ما يلعب ساعتين يلعب أربع ساعات.
وهناك حكاية تستحق أن تروي وتكشف كيف تغير مبارك مع الأيام، ففي البداية وهو رئيس كان يمد يده إلي الكيس الذي فيه البرتقال ويخرج برتقالة يقوم بتقشيرها بيده ويأكلها وعندما فكر اللواء شريف عمر مدير أمن المقر من عام 1983 إلي 1991 في تغيير الطريقة التي يقدم بها البرتقال إلي الرئيس طلب إلي العسكري الذي يحضر البرتقال أن يغسل البرتقالة التي يقدمها للرئيس ويضعها في طبق ومعه سكين وفوطة وسأل مبارك العسكري إيه ده قال له تعليمات اللواء شريف عمر يا فندم قال مبارك علشان إيه ده كله ما أنا متعود أقشرها وآكلها ولكن بعد أقل من سنتين عندما وضع العسكري كيس البرتقال أمام مبارك زعق فيه معنفا: دي طريقة تقدم بيها برتقال؟!.
ولم تكن هذا إلا علامات بسيطة من علامة التغيير فقد أدت سفريات مبارك وزوجته الكثيرة خاصة إلي دول أوروبا وزيارة لندن الرسمية بالذات وقواعد البروتوكول والحفاوة التي يستقبلان بها والحفلات التي تقام لهما وتظهر فيها أغلي الأزياء والمجوهرات كل هذا غير من سلوك الاثنين ويقال إن أهم زيارة فعلت تأثيرها كانت زيارة مبارك وسوزان الرسمية إلي لندن عام 93 والبروتوكول الإنجليزي الملكي الذي استخدم في هذه الزيارة وقد أعقب هذه الزيارة نقلة كبيرة للسيدة سوزان في الأزياء التي أصبحت ترتديها من أكبر بيوت الأزياء وبعد أن كان مبارك يرتدي بدلاته التي تصنعها له شركة ستيا أصبحت تحمل أشهر الماركات المعروفة مما لم ينعكس فقط علي السلوك بالنسبة للاثنين وإنما الأهم علي ارتباطهما بالمنصب وعدم تصور الانتقال من حاكم إلي مواطن، كما يحدث في كل الجمهوريات العريقة وقد زاد من ذلك تصرفات الحاشية التي صورت لمبارك أنه المنقذ لمصر وأن مصر من دون مبارك ولا حاجة مما أدي إلي صك شعار «مصر مبارك» وكان من بين ما قيل لمبارك من حاشيته عندما تكررت زيارات الملك حسين ملك الأردن الراحل للقاهرة إن حسين وهو المخضرم في الشئون السياسية كان يقوم بهذه الزيارات ليتعلم السياسة من «المعلم» كما كانوا يقولون عن مبارك وبعد ذلك أصبحوا يستخدمون كلمة «الباشا» في الإشارة إليه وهكذا فإنه بعد أن كان زاهداً حتي ولو بالكلام في الاستمرار رئيساً أصبح استمراره موضوعاً غير قابل للنقاش!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق