الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

أسرار وحكايات من حياة الرئيس المخلوع مبارك

                                   (  الحلقة الثانية  )

وقد استمرت عادة مبارك في مصافحة من يحضرون اجتماعاته طوال فترة الرئاسة الأولي علي الأقل، ثم من منتصف الرئاسة الثانية بدأ الذين يحيطون به يحاولون تضييق الدائرة عليه إلا أنه بدلاً من مصافحة جميع الحاضرين للاجتماع- كما تعود- بدأ يقلل من ذلك وفي بداية فترة الرئاسة الثالثة عندما وقعت محاولة الاعتداء عليه في أديس أبابا عام 1995 وجدها المحيطون به فرصة لإقفال الدائرة تماماً عليه وتحديد دخوله وخروجه الاجتماعات التي يحضرها من باب جانبي لا يمر فيه علي الحاضرين في القاعة وبعد أن كان موكبه يمر وسط الجماهير ويلوح لهم من سيارته وبعد الحادث الذي تعرض له في بورسعيد يوم السادس من سبتمبر 1999 «في نهاية فترة ولايته الثالثة» تشددت كثيراً إجراءات أمنه وعزله عن المواطنين.
وقد كانت محاولتا أديس أبابا المؤكدة وبورسعيد المحتملة لاغتيال مبارك من العمليات التي أثرت علي مبارك كثيراً وجعلته يطلق إجراءات الأمن المشددة بصرف النظر عن أي اعتبار.
في يوم 26 يونيو عام 1995 طار حسني مبارك إلي أديس أبابا لحضور اجتماع منظمة القارة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية، وقبل وصول مبارك كان قد تم شحن سيارته المصفحة والمجهزة تجهيزاً عالياً، وبعد مراسم الاستقبال السريع الذي كان ينتظره في المطار استقل مبارك السيارة المصفحة وما إن خرج موكبه من المطار وبعد أقل من ستمائة متر في طريق يبدو مهجوراً فوجئ الموكب بسيارة زرقاء تعترض طريقه بالعرض مما اضطر الموكب إلي تخفيض سرعته في الوقت الذي دوت فيه من أعلي ومن جانب الطريق طلقات الرصاص وحسب وصف مبارك في المؤتمر الصحفي الذي عقده فور عودته إلي القاهرة بعد أن كتبت له حياة جديدة فإن أولي الطلقات كانت موجهة إلي سقف سيارته التي وصفها بأنها كانت مصنوعة من أقوي صلب، ولولا ذلك لاخترق الرصاص السيارة وقتل مبارك وقد تعامل حرس مبارك مع الجناة وتمكنوا من قتل ثلاثة منهم بينما هرب الآخرون وانتهت العملية بمقتل الجناة الثلاثة واثنين من رجال الأمن الإثيوبيين وإصابة إثيوبي ثالث والسفير الفلسطيني في إثيوبيا الذي تصادف أنه كان في الطريق المضاد متجها إلي المطار لاستقبال الرئيس ياسر عرفات، وتبين أن المجموعة كانت مختبئة في فيلا قرب المطار كانت مؤجرة منذ فترة لعدد من السودانيين وقد تم اتهام السودان والرئيس السوداني عمر البشير بالذات الذي كان علي خلاف مع مبارك في ذلك لوقت بأنه مع آخرين اشتركوا في مؤامرة محاولة الاغتيال ولهذا قامت القوات المصرية بعد يومين بدخول حلايب علي الحدود المصرية السودانية ووضعها تحت السيطرة المصرية باعتبارها أرضا مصرية.
فور إطلاق النار أمر مبارك سائق سيارته بالاستدارة والعودة إلي المطار حيث استقل طائرته الواقفة التي جاء بها عائداً إلي مصر.
إن مبارك في ذلك الوقت كان مازال في قلوب ملايين المصريين الذين سمعوه بعد عودته يؤكد إيمانه بأن العمر واحد، وأنه واجه الموت كثيراً ولم يفقد أعصابه لحظة خلال الهجوم علي موكبه وقد أمر سائق سيارته بكل هدوء بأن يعود إلي المطار ليستقل طائرته عائداً إلي مصر، ولعله في ذلك كان يستوحي حادث إطلاق النار علي جمال عبدالناصر أثناء حضوره يوم 26 أكتوبر 1954 في ميدان المنشية بالإسكندرية احتفالاً شعبياً، وكيف أن عبدالناصر صرخ في الحاضرين «أيها الرجال فليبق كل في مكانه حياتي فداء لكم دمي فداء لمصر» هذه العملية اتهم فيها أحد شباب الإخوان المسلمين «محمود عبداللطيف» وقد أدت محاكمته إلي القبض علي آلاف الأعضاء من الجماعة ومحاكمة عدد منهم انتهت بتنفيذ الإعدام في ستة.
كبار رجال الدين يزورنه لتهنئته
لقد ذهبت جموع كثيرة إلي القصر الجمهوري في هليبوليس لتهنئته، وكانت ذروة المشاهد عندما زاره في اليوم التالي وفد علي مستوي عال من رجال الدين ضم فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق وقداسة البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية وفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي وفضيلة الشيخ محمد الغزالي من كبار الدعاة للإسلام قال له البابا شنودة كان الموت قريبا منك جداً ولكن يد الله الحافظة، كانت أسلحة الموت في يد الناس ولكن يد الله الحافظة الموت كان مشيئة الناس والحياة كانت مشيئة الله ومشيئة الله هي التي نفذت.
وقال له الشيخ الشعراوي: «إنني يا سيادة الرئيس وأنا أقف علي عتبة دنياي لأستقبل أجل الله، فلن أختم حياتي بنفاق ولن أبرز عنتريتي باجتراء، ولكني أقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومة وحزبا ومعارضة ورجالاً وشعباً، آسف أن يكون سلبياً أريد منهم أن يعلموا أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء فلا تآمر لأخذه، ولا كيد للوصول إليه فإن الحق سبحانه وتعالي حينما حكي حوار إبراهيم للنمروذ وهو الذي حاج إبراهيم في ربه وهو كافر ماذا قال له؟ قال «آتاه الله الملك» فلا تآمر علي الله لملك، ولا كيد علي الله لحكم لأنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله فإن كان عادلاً فقد نفع بعدله وإن كان جائراً ظالماً بشع الظلم وقبحه في نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكماً ولذلك يا سيادة الرئيس- قال ذلك وهو يضع يده علي كتف الرئيس، «وهو ما أغضب حرس الرئيس عندما فعل ذلك لكنهم لم يستطيعوا التصرف»- آخر ما أود أن أقول ولعل هذا يكون آخر لقاء لي بك: إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنا قدرك فليعنك الله علي أن تتحمل» وكما توقع فقد كان هذا آخر لقاء للشعراوي مع مبارك فبعد 3 سنوات في يونيو 1998 التقي الشيخ ربه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق